مؤتمر المناخ في شرم الشيخ بسيناء فرصة لكسر حاجز الصمت عن الانتهاكات الجسمية لحقوق السكان الأصليين والتهميش الممتد لعقود
لدى الحكومات المختلفة والمجتمع المدني المستقل في مؤتمر المناخ بشرم الشيخ فرصة حقيقية لنقل بعض من معاناة المواطن/ة السيناوي/ة الذي يعيش كابوس الانتهاكات المستمرة على مقربة من مقر انعقاد المؤتمر
قالت المنظمات الحقوقية والبيئية الموقعة على هذا البيان: “من غير المعقول أن تستضيف الحكومة المصرية الآلاف من المشاركين في شرم الشيخ بسيناء لمناقشة مستقبل الحياة على كوكبنا بينما تغض الطرف عن حقوق سكان سيناء ، بل وتستمر في الانتهاكات الجسيمة والمنهجية لحقوقهم والتي تقع على بعد رمية حجر من مكان انعقاد المؤتمر في مدينة شرم الشيخ. طرح ومناقشة ومعالجة قضايا سيناء البيئية والحقوقية خلال وحول مؤتمر البيئة COP 27، هو أقل ما يمكن عمله لأخذ سكان ذلك المكان الذي يستضيف المؤتمر بعين الاعتبار.”
عانت شبه جزيرة سيناء من التهميش الرسمي والتقاعس الحكومي عن الاستثمار في بنيتها التحتية لعقود طويلة. ومنذ 2013 احتدمت الحرب في شقها الشمالي بين قوات الحكومة المصرية من جهة وجماعة “أنصار بيت المقدس” الإسلامية المسلحة والتي أعلنت تحولها إلى “ولاية سيناء” ومبايعتها لتنظيم داعش في 2014. وتحت ذريعة القضاء على هذا التنظيم المسلح هجّرت السلطات المصرية عشرات الآلاف من سكان شمال سيناء، وجرّفت الأراضي الزراعية، وفرضت قيودًا على حركة البشر والبضائع أدت لشلل اقتصادي كامل. كما اعتقلت الآلاف من سكان شمال سيناء وأخفتهم قسرًا، وتعرض الأهالي للخطف، والتعذيب والقتل خارج نطاق القانون. ومنذ ذلك الحين تحولت شمال سيناء لمنطقة عسكرية مغلقة تحت حصار إعلامي محكم لمنع تدفق المعلومات أو وصول الصحفيين والمراقبين المستقلين.
سياسة التهميش للمجتمع المحلي في سيناء امتدت آثارها لمؤتمر المناخ، حيث لم تعثر مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان على أي دليل يشير إلى دعوة الحكومة المصرية أي جماعات أو ممثلين عن سكان سيناء، أو قبائلها ومجتمعاتها الأصلية، إلى المشاركة بشكل مستقل وفعال يعكس التعددية والتنوع في أي اجتماعات خلال أو على هامش مؤتمر المناخ، وذلك بخلاف خبر واحد عن جمعية واحدة تعمل بالتنسيق مع مكتب محافظة شمال سيناء. كما يبدو أنه لا يوجد في قاعدة بيانات منظمات المجتمع المدني المشاركة في مؤتمر COP27 أي منظمة مصرية تتخذ من سيناء مقرا لها أو تكون سيناء هي مجال نشاطها الأساسي.
ويعد غياب المجتمع السيناوي عن مؤتمر المناخ نتيجة منطقية لسياسات الحكومة المصرية التي قوضت كافة الأشكال التقليدية للتعبير والتجمع السلمي، بما في ذلك الندوات والمجالس، فضلاً عن اعتقال الحكومة للعديد من النشطاء السيناويين الذين أسسوا مجموعات مستقلة تنتقد سياسات الحكومة. الأمر الذي أدى إلى سحق العمل السلمي وساهم في خلق بيئة خصبة لنمو جماعات العنف الراديكالية. هذا بالإضافة إلى المشاكل البيئية في سيناء، ومنها؛ تراجع ثروة النخيل، ونحر الشواطئ، وانخفاض مخزون المياه الجوفية، وارتفاع درجات الحرارة، وتهديد البيئة البحرية والشعاب المرجانية، والتي تعجز مجموعات حماية البيئة في سيناء عن التطرق لها بسبب القيود المفروضة على البحث والتوثيق والتعبير والنقد، والخوف من الانتقام والملاحقة.
ورغم تعدد التصريحات لمسؤولين حكوميين مصريين رفيعي المستوى، بينهم الرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه، إلى قرب انتهاء العمليات العسكرية في شمال سيناء مع الانحسار الواضح لنفوذ وهجمات جماعة “ولاية سيناء”، ومع ذلك تبقى آثار الحرب ممتدة، وانتهاكاتها الجسيمة بلا محاسبة أو علاج حقيقي. بل ولا زالت استراتيجية الجيش في سيناء تكرر خطايا الماضي القريب وتعتمد مقاربة أمنية لا تهدف الى كسب قلوب وعقول المدنيين وتسحق حقوقهم الأساسية التي نصت على احترامها كل المواثيق الدولية، حيث قام الجيش المصري مؤخرا وقبل أسبوعين من انطلاق قمة المناخ في سيناء بعمليات تهجير قسري ضد مدنيين عادوا مؤخرا لقراهم بعد سنوات نزوح طويلة. وبحسب مصادر وشهود عيان تحدثت معهم مؤسسة سيناء فإن قوات الجيش اخلت بالقوة 60 أسرة من عائلة الجرايشة بتاريخ 29 أكتوبر 2022، بعد احتجازهم داخل مدرعات عسكرية تحت تهديد السلاح بتجمع النصر التابع لقرية الظهير جنوب الشيخ زويد، ثم قامت القوات بإلقائهم في منطقة نائية، وبحسب المصادر نفسها فإن الجيش هدد الرافضين للقرار “بالقتل وحرق مقار إقامتهم” حال رفضهم الرحيل.
كما وثق فريق مؤسسة سيناء قيام الجيش خلال شهر أكتوبر 2022 بإخلاء 10 تجمعات سكنية بمناطق وقرى جنوب وغرب رفح شمال شرق سيناء، وقد أكد السكان المحليون أن الجيش قام بـ إخلائهم من مساكنهم بالقوة وطردهم منها، موضحين بأن عودتهم لتلك المناطق كانت بتنسيق مع قوات الجيش ورجال الدولة، وبدعوة من مسؤولين حكوميين على رأسهم محافظ شمال سيناء.
إن العمل على حماية البيئة والعدالة المناخية ورسم السياسات الملائمة لا يمكن أن يتم بشكل فعال إلا في إطار سياسة أشمل تعنى بحماية حقوق المواطنين وتعزيز التعددية والمشاركة السلمية، إذ لا يمكن فصل حقوق البيئة عن حقوق السكان وحقوق الشعوب الأصلية. وكما أكد الموقعون على عريضة حركة حقوق الإنسان المصرية لمؤتمر المناخ COP27 “يتطلب النهوض بالعدالة المناخية نهجًا شاملاً للسياسات البيئية؛ التي تتضمن حقوق الإنسان وتعالج المشاكل الهيكلية، بما في ذلك الظلم الاجتماعي المتجذر تاريخيًا، والتدمير البيئي، والانتهاكات الجسيمة من قبل النشاطات التجارية، والفساد والإفلات من العقاب، وعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية.”
تطالب المنظمات الموقعة كافة النشطاء والمنظمات المستقلة المشاركة في المؤتمر الأخذ بعين الاعتبار مكان انعقاده و تخصيص جزء من جهودهم خلال المؤتمر لتسليط الضوء على والتضامن مع ومناقشة قضايا سكان الأرض المستضيفة. كما تطالب حكومات الدول المشاركة في المؤتمر إيصال رسالة واضحة للحكومة المصرية إن قمع المجتمع المدني غير مقبول، وأن على الحكومة المصرية تنفيذ التوصيات الواردة في الإعلان الذي تبنته 32 دولة في مجلس حقوق الإنسان الأممي في جنيف في مارس 2021 لمعالجة أزمة حقوق الإنسان في مصر على رأسها الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المحتجزين لمجرد ممارستهم السلمية لحقوقهم الإنسانية. وأن أي أعمال انتقامية ضد الأصوات المعارضة قبل أو بعد المؤتمر ستؤخذ على محمل الجد